ملتقيات عامه > الملتقى العــام

الحمد لله رب العالمين , الرحمن الرحيم , مالك يوم الدين , والعاقبة للمتقين , ولا عدوان إلا على الظالمين , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده هو ولي الصالحين , أرسل رسله بنور منه وأوحى إليهم : " أن لا إله إلا أنا فاعبدون" , فقاموا بأمره فأضاء الكون بالحق المبين , وأشهد أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - عبده ورسوله , أدى الرسالة وبلغ الأمانة ونصح الأمة وكشف الله به الغمة , وجاهد فى الله حق جهاده حتى أتاه اليقين ....

أما بعد ...

فلا زال الأمر صراع بين كفر وإيمان وشرك وتوحيد , ولا زال جند الفئتين قائمين على نصرة مذهبهم باذلين كل غال ونفيس فى سبيل علو معتقدهم وانتشار مللهم , بيد أن كفة أهل الحق راجحة , فحججهم بينة واضحة , لا يختلف فى جلائها المبصرون , وقبل ذلك هم موصولون بسبب من السماء متين , يؤيدهم ربهم وينصرهم فيصبحوا على أعدائهم ظاهرين , ويفتح لهم قلوب العباد بفضل منه سبحانه فلا يملكون إلا الإذعان أمام قوة الحق وضعف الباطل , فهب الناس إلى دين الله أفواجا , ففيه صلاح القلب وهناء العقل وقرار الفطرة .

ولا زال أهل الباطل يحاربون الحق بكل ما أوتوا من قوة , فتارة ينشرون مذهبهم بالسيف ويعرضون عليه من رفض اتباعهم فيصبر أهل العزيمة ويعذر من ضعف وقلبه مطمئن بالإيمان , وتارة بالترغيب فيما عندهم من زينة الدنيا فيقع فى حبائلهم قلب ضل دربه لما أظلمه من المعاصى والمنكرات , وتارة باستخفاف عقول الجهال فيلقون بها من الشبهات ما لا يستقيم بالحجة وينكره العقل .

لم أكن أريد الحديث عما زعموه من ظهور العذراء فى عدة كنائس بالقاهرة فى فترة وجيزة لولا ما رأيت من اعتقاد كثير من جهلة المسلمين في ما حدث وتصديقهم له , فطفقوا يتحدثون بانبهار عما حدث , ولا أستبعد أن يكون منهم من تنصر ممن خف عقله ومات قلبه , خاصة أننا شعب ساذج كالطفل ينبهر بالبريق ويتبع السراب , مع ما فينا من إغراق فى الاعتقاد في ما يسمونه بالكرامات والإيمان بمن يزعمون أنهم أولياء حتى وإن كانوا على غير الملة السوية من بقايا معتقد القبورية , فمشهور عند من علم عادات هؤلاء الجهال ما يحدث منهم من تقديم للقرابين للكنيسة الفلانية لأن بها القديس فلان وهو رجل مبارك مستجاب الدعوات فكم زوج عانسا وأولد عاجزا وقرب بعيد وشفى به مريض !

كان الأمر فى بدايته ساذجا فكيف يعقل ظهور شخص مات من عشرات القرون وواراه التراب , ثم ازداد الأمر سخافة مع تكرار ظهور تلك الصورة طوال الأسبوع الماضى حتى الأمس القريب , فتارة يزعمون أن العذراء ظهرت فى الزيتون ثم يزعمون ظهورها فى الوراق ثم فى شبرا وهكذا !
وكأن العذراء قد رضيت عن شعب الكنيسة المخلص وراعيه المقدس !
وكأن مصر قد غدت حامية حمى النصرانية وعماد ملتهم حتى تظهر بمصر دون غيرها من أمم النصارى فى أرجاء الدنيا !

لم يكن العجب من هذا , بل العجب كل العجب من أقوام بلغوا من الكبر عتيه وطحنهم الدهر فخبروا أحواله ثم ينساقون وراء أمر إن عرضته على عقل طفل أباه ,
ولكنى تذكرت قوله تعالى عن فرعون : "فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين"
فهكذا دأب أهل الباطل دوما يستخفون بالعقول ويستجهلون الناس فيتبعونهم بما فى قلوبهم من غي وفسق , ادعى الألوهية فاتبعه من فى عقله جهل , وادعى الربوبية فاتبعه من فى عقله خفة , ولو تأملوا قليلا حينها لعلموا أنه بشر مثلهم يموت ويحيا ويأكل ويشرب ويمرض ويضعف ويبكى ويتألم لا فضل له عليهم غير أنه وجدهم جهالا فأجاد استخدام الحيلة ,
فجاء بسحرته الذين هم قوام ملكه وعماده فأعموا الناس بسحرهم وزينوا لهم عبادة فرعون فاتبعوه , وجاء بكهنته فألبسوا عليه من الصفات ما هو عار عنها فازداد تبجيل الناس له فربوا أولادهم على إلغاء عقولهم واتباع المعتقد الفاسد فانتشر الكفر فيهم .

وكذلك ذكرت قصة السامريّ مع موسى عليه السلام , فلما ذهب موسى للقاء ربه تبارك وتعالى قال له تبارك وتعالى : " قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمْ السَّامِرِيُّ . فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمْ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي . قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ . فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ "
فهذا السامريّ كان منافقا أراد إضلال قومه فلما رأى جهلهم وخفة عقولهم إذ قالوا لموسى بعد أن نجاهم الله من فرعون ومن الغرق : "اجعل لنا إلها كما لهم آلهة " ذلك أنهم رأوا قوما عاكفين على أصنام لهم , وجدها فرصة لنشر الضلالة فى قومه فأخذ حليهم فرمى بها في النار وصاغ لهم منه عجلاً، ثم ألقى عليه قبضةً من أثر فرس جبريل عليه السلام فجعل يخور , فقام جهلة القوم وسفهته منبهرين أمام ما رأوه مما هو خارق لعادتهم , فظنوا أن العجل ربهم فقاموا يعبدونه !
ولو تأملوا حينها لعلموا أن هذا لا يضر ولا ينفع , فهم قد رأوا السامري وقد أخذ حليهم وألقاها فى النار ثم صاغ لهم منها العجل ثم ألقى عليها قبضة من تراب , فمستحيل أن يكون هذا العجل الذى صنعوه هو ربهم وإلههم , وإلا فمن الذى خلقهم وعبده الناس قبل أن يصنعوا ذلك العجل !

وكذلك ذكرت ما فعله الإنجليز مع واحد من كبار أهل البدع الكفرية - لا أذكر البهائية كانت أم النصيرية ؟ - لما كانوا يحتلون الشام فأهدوا له سترة بها أنوار متصلة بخلية كهربائية تمدها بالطاقة وأوصوه بأن يضغط على زر داخل جيبه لتضئ الأنوار , فلما رآه قومه وهو يخطبهم وقد أنارت ثيابه انبهروا به وازدادوا تعلقا به وبمذهبه , فهو ينير فى الظلام !

تذكركت كل ذلك بينما هتافات النصاري ترن فى أذنى فرحا بما ظنوا أنها السيدة العذراء , ولو تأملوا لعلموا أن الأمر وهم كبير , لكنهم على ملة إخوانهم قوم فرعون وعبدة العجل فى خفة العقل وإظلام القلب .
إن الأمر إذا تأمله المتأملون بقليل من الجهد العقلي الذى لن يرهق أحدا مهما كان انحدار ذكائه لا يعدو أن يكون خدعة متقنة خاصة مع تكرر حدوثه بصورة تصيب الريبة .

إن التقدم فى مجال البصريات وفى علوم الضوء أتاح مؤخرا ظهور أجهزة عرض تبث صور ثلاثية الأبعاد على الهواء , وهذا أمر ليس من خيالات مراهق قضى شبابه فى مشاهدة أفلام حرب النجوم لكنه حقيقة علمية واقعة لا ينكرها إلا جهول .

تأملوا معى لو كانت حدثت تلك الواقعة فى دولة كأمريكا مثلا أو دولة من دول غرب أوروبا كإنجلترا أو فرنسا , لو حدث هذا لصار الأمر أضحوكة تناولتها وسائل الإعلام بالتندر على رجال الدين المساكين الذين لا يجدون حيلة لدفع الناس إلى التدين إلا الخداع البصري , ولانبرى رجل الشارع العادي يدافع عن عقله الذى استغله هؤلاء الملاعين الذين لا يحترمون أنه إنسان ناضج ويعاملونه كطفل ساذج .
فكيف تظهر السيدة مريم وهى قد ماتت كما يعتقدون ؟
ثم كيف تظهر وهى ترتدى نفس الملابس التى ترتديها فى الصورة التخيلية التى رسمها الرومان لها ؟
ولماذا عندما ظهرت ظهرت صورتها فقط ولم تحدث الشعب المخلص وتعلن أن البركات قد حلت عليهم ؟
ثم لماذا هى تشع كعامود الإنارة فى الشارع ؟
ولماذا لا تظهر صورتها واضحة ؟
ثم لماذا هى ضخمة إلى ذلك الحد الذى يمكنها من أن تتواري خلفها قبة الكنيسة الضخمة ؟
ألم تكن بشرية مثلنا لها نفس أبعادنا وقياساتنا ؟
وكيف ولماذا ومتى ..... إلى آخره من أدوات استفهام العرب والعجم .

كل ذلك كان ليحدث لو كانت الواقعة هناك لأن القوم وإن كانوا على كفر لا زال عندهم بقية من العقل يمرون عليها ما خالف الحقائق العلمية والعادات البشرية , لكن الجهل والتعصب الموجود عند من هم عندنا أعماهم عن رؤية الحق رغم وضوحه وجلائه .

ولو سلمنا أننا فى عصر لم يعرف التقدم التقني أصلا وظهرت تلك الصورة , فإن العقل لا بد أن يسلم بأن ذلك من خوارق العادات لا شك فى ذلك
لكن هل تدل خوارق العادات كهذه على صحة المذهب والانتصار له ؟
بالطبع , لا
وإلا فإن كل ما يجرى تحت مسمى خوارق العادات يصير حجة فى صحة الديانة والمذهب
ولأقررنا حينها بصحة ديانة الهندوس لأنهم ينامون على المسامير دون أن تخدش أجسادهم ولصححنا ديانة بوذا وما تفرع عنها لأن كهنتها يملكون قدرات عقلية خارقة تمكنهم من الاتصال بغيرهم عن طريق ما يسمى بالتخاطر عن بعد , وكذلك فهم يمكنهم تحريك الأشياء بالفكر , وكذلك يمكنهم الارتفاع عن الأرض عدة أذرع بمجرد التأمل , ولصححنا كذلك ديانات اليهود بما يظهرون من خوارق عادات فى معابدهم , ولصححنا ديانات أفريقيا الوثنية لممارستهم السحر الذى يمكنهم من تغيير إدراك المحسوسات , ولصححنا كل ديانة يدعى أصحابها خارقا من خوراق العادة .
وإذا لوجدنا حينها أنفسنا أما ثلة من الأديان كلها صواب لأن أصحابها يدعون خرق العادة !
وكل تلك الخوارق يمكن إدراكها بالسحر والقوم لهم باع طويل فيه , ولربما تمثل الشيطان لهم ليزيدهم ضلالا إلى ضلالهم , كل ذلك واقع وحادث وليس بمستغرب .

فالحمد لله على نعمة العقل والإسلام